السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
قرأتُ كلام لأحد الرافضة، يستنكر فيه على الإمام البخاري هذا الكلام !!
—————
روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
{ لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ إِذَا سَكَتَتْ }. 6968
[ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنْ الْبِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نِكَاحَهَا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا وَهُوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ ].
———————
وكلام الرافضي تافه لأنه لم يفهم معنى كلام البخاري كعادة كثير من الرافضة الذين أعطوا عقولهم أجازة دائمة، فلا يفكرون ولا يعقلون، أو الذين تخلصوا من عقولهم مع أول مقابلة لهم مع أحد معمميهم ! والله المستعان !!
فرغم تفاهة استدلاله إلا أننا سنرد عليه ردًّا علميًا شافيًا كافيًا بمشيئة الله.
فأقول وبالله التوفيق:
أولَا: هذا الكلام موجود بالفعل في كتاب صحيح البخاري، والحديث نفسه حديث صحيح.
ثانيًا: البخاري أبهم اسم القائل, فقال: { وقال بعض الناس }، مع علمه أن القائل هو أبو حنيفة رحمه الله, وقد أورد البخاريُّ ذلك القولَ على سبيل التَّعَجُّبِ والإنكار.
إذ لو كان البخاري يعتمد هذا القول لذكر اسم قائله، ولأن البخاري لا يعتمد هذا القول لم يذكر اسم أبي حنيفة، بل اكتفى بذكر القول مستنكرا ومستشنعًا له.
فما الدليل أن البخاري لا يعتمد هذا القول ؟
يقول الإمام بدر الدين العَيْنِيُّ:
{ أَرَادَ بِهِ أَيْضا أَبَا حنيفَة، وَأَرَادَ بِهِ التشنيع عَلَيْهِ …}.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج24 ص175 ، طبعة دار الكتب العلمية – بيروت.
والبخاري ذكر بعدها مرة أخرى قولا آخر لأبي حنيفة أيضا شبيها بهذا القول، فقال:
[ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا فَأَبَتْ فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَدْرَكَتْ فَرَضِيَتْ الْيَتِيمَةُ فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ ].
فقال بدر الدين العيني:
{ أَرَادَ بِهِ التشنيع أَيْضا على أبي حنيفَة }. عمدة القاري ج24 ص177 .
ثالثًا: البخاري ذَكَرَ هذا القولَ في باب ” الحِيَل ” وإبطالها بكلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا يعني أن البخاري أورد الرواية ليردَّ بها على أبي حنيفة وعلى كل مَنْ يقول بقول أبي حنيفة.
فما الدليل على أن البخاري أَوْرَدَ هذا القولَ ليردَّ عليه ؟
إليكم شرح الإمام ابن حجر العسقلاني لصحيح البخاري في مقدمة كتاب الحيل ج16 ص238 طبعة دار طيبة – الرياض.
وقد تقدم معنا قول الإمام بدر الدين العيني كذلك في نفس الموضوع.
رابعًا: منهج الإمام البخاري في هذا الباب هو ذِكْرُ الحديث الذي يُبْطِلُ به الحيلةَ التي يفعلها بعض الناس ، أو يبطل بالحديث قولًا قال به أحد العلماء.
قال إمامُنا البخاريُّ رحمه الله: كِتَاب الْحِيَلِ – بَاب فِي تَرْكِ الْحِيَلِ.
ثم ذكر بعد ذلك بثلاث صفحات بابا لإبطال حيل النكاح.
{ لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ إِذَا سَكَتَتْ }.
ثم ذكر كلام أبي حنيفة محل بحثنا هذا !!
وهكذا انقلب السحر على الساحر، فلقد أراد الرافضي التشنيع على الإمام البخاري رحمه الله بهذا الكلام، فانقلب السحر عليه وانكشف الغطاء، وظهر للجميع أن البخاري إنما يشنع على أبي حنيفة قائل هذا القول كما قال بدر الدين العيني الحنفي !
خامسًا: هذه المسألة مسألة فرضية, بمعنى أنها لم تحدث أصلًا !
لكن العلماء مثل أبي حنيفة رحمه الله – مع أننا لا نوافقه على قوله كما فعل البخاري – يوردون مثل هذه الأقوالَ بحيث لو حصلت يَعْرِفُ الناسُ حُكْمَهَا.
سادسًا: كلام الإمام أبي حنيفة وإن كان مرجوحا لا يعضده دليل إلا أننا نترحم عليه كما هو مذهب أهل السنة في التعامل مع أئمتهم إذا أخطؤوا وَجَانَبَهُمُ الصوابُ.
فلسنا نؤمن بعصمة الأئمة كالشيعة الرافضة، بل نرد على المُخْطِئِ خطأه كما فعل إمامنا البخاري مع إمامنا أبي حنيفة عليهما رحمه الله.
ونقول أنه يؤجر أجرا واحدا إذا أخطأ، ويؤجر أجرين إذا أصاب، ونترحم عليه ونجزيه خيرا على اجتهاده مع عدم أخذنا بقوله المخالف ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه