الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذا جوابٌ مُختصر وردٌ سريعٌ على سؤال أحد الإخوة حول مخطوطات صنعاء ، وسأحاول فيما بعد إن شاء الله أن أكتبَ مقالًا مطولًا عن هذا الموضوع.
أولًا: على فرض أن هذه المخطوطات التي اكتُشِفَتْ تخالف مصحفنا ، فهذه المخطوطات كانت عِبَارَة عن ألواح لأطفال الكَتَاتِيب يكتبون عليها ما يحفظونه من القرآن الكريم.
وأي عاقل يعلم أن مِثْل هذه الألواح ليست مَصْدَرًا مُعْتمدًا لمعارضة القرآن المنقول بتواتر الملايين عن الملايين.
ثانيًا: نقل القرآن الكريم يعتمد على طريقتين:
1. الحِفظ والتلقّي ، لقوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }. فكان جبريل يقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيسمعه الرسول عليه الصلاة ويحفظه في قلبه ويعلمه للصحابة.
2. الكتابة ، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم حينما تنزل عليه آية أو سورة يأمر أحد الصحابة بكتابتها مثل زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهما من كتبة الوحي.
ثالثًا: لو كانت مخطوطات صنعاء تعارض القرآن الذي بين أيدينا فلماذا لم نجد واحدا من المسلمين يقرأ بهذه المعارضة ؟!
كيف يُعقل أن القرآن الذي يصلي به المسلمون منذ زمان النبي صلى الله عليه وسلم في صلواتهم ويختمونه في كل عام مرة أو عدة مرات يندثر ويتغيّر ؟! هذا مستحيل من الناحية العقلية !
رابعًا: الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم كامِلًا كانوا بمئات الآلاف خارج صنعاء وخارج اليمن كلها أين ذهبوا ؟ ألم يكونوا يقومون بتحفيظ غيرهم من الطلبة كما يحدث اليوم ؟! وأين ذهبوا وأين مصاحفهم المكتوبة ؟!
خامسًا: اضرب لنفسك مثالًا عمليًا واقعيًا وسَلْ نفسك: لماذا لم يستطع أحد البشر أن يأتي بسورة مثل سور القرآن الكريم إلى الآن ؟!
حتى الفلاسفة والأدباء والنحاة وجهابذة اللغة العربية عجزوا عن ذلك.
قال ابن حجر العسقلاني في ترجمة يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد الأشعث الكندي, فيلسوف العرب:
[ عَن أبي بكر بن خزيمة قال: قال أصحاب الكندي له: اعمل لنا مثل القرآن فقال: نعم فغاب عنهم طويلا ثم خرج عليهم فقال: والله لا يقدر على ذلك أحد ]. لسان الميزان (8/ 527).
تخيل هذا الرجل كان يسمّى فيلسوف العرب ، ومع ذلك عجز عن الإتيان بمثل القرآن الكريم.
سَلْ نفسك: لماذا إذا أخطأ الإمام وهو يصلي بالناس في الصلاة يرد عليه المصلون خلفه ؟!
سل نفسك: إذا ضاعت كل الكتب الموجودة على وجه الأرض، فل يستطيع أي قوم أن يعيدوا كتابهم مرة أخرى دون أدنى إلا المسلمون ؟!
القرآن الكريم كتاب يستحيل تحريفه ولو اجتمع كل الكفّار لأجل ذلك.
فلا ينبغي أبدًا أن يتخبط رجل مسلم يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم لأجل رجل كافِرٍ كذّاب قال كلامًا مكذوبًا ، والله سبحانه وتعالى يقول عن الكافرين: { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم .. }.
وقال جل جلاله: { إن الذين كفروا يُنفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ، فسينفقونها ، ثم تكون عليهم حسرة ، ثم يُغلَبون ، والذين كفروا إلى جهنم يُحشرون }.
وقال تبارك وتعالى عن الكافرين: { وَدُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً }.
وأختم بهذه القصة التي رواها الإمام القرطبي في تفسيره عن يحيى بن أكثم قال: كان للمأمون – وهو أمير إذ ذاك – مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، قال: فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم. قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده. فقال: ديني ودين آبائي! وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، قال: فتكلم على الفقه فأحسن الكلام؛ فلما تقوض المجلس دعاه المأمون وقال: ألستَ صاحبَنا بالأمس؟ قال له: بلى. قال: فما كان سببُ إسلامِك؟ قال: انصرفتُ من حَضرتِك فأحببتُ أن أمتحنَ هذه الأديانَ، وأنت تراني حَسَنَ الخط، فعمدتُ إلى التوراة فكتبتُ ثلاثَ نُسَخٍ فزدْتُ فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتُريت مني، وعمدت إلى الإنجيل فكتب نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتُرِيَتْ مني، وعمدتُ إلى القرآن فعملتُ ثلاثَ نُسَخ وزِدْتُ فيها ونقصت، وأدخلتُها الوراقين فتصفّحوها، فلما أنْ وجدوا فيها الزيادةَ والنقصان رموا بها فلم يشتروها؛ فعلمتُ أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي. قال يحيى بن أكثم: فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل. قال قلت: في أي موضع؟ قال: في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل: {مَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة: 44]، فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضع.
والحمد لله رب العالمين ،،،،