الرد على الأباضي: موقف الأباضية من الصحابة ج3

قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث

الردود العلمية على طائفة الإباضية

الرد على مقطع: رسالة سريعة لأبي عمر الباحث موقف الأباضية من الصحابة! ج3

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آلِهِ وصحبه ومن والاه، وبعد:

 فهذا الجزء الثالث من الرد العلمي على مقطع فيديو لأحد الأباضية حاول فيه أن يرد على ما ذكرته في حلقة “موقف علماء الأباضية من الصحابة”، وكنت أرد فيه على نائب مفتي الأباضية ” كهلان الخروصي” هدانا الله وإياه.

وتحت عنوان: “الصحابة في ميزان فرق الإسلام، وبيان موقف الأمة من عدالتهم، ونقض شبهة نسبة التكفير للصحابة” يقول الأباضي:

[أبو عمر الباحث ذكر عن بعض أئمة الأباضية أنهم يتبرؤون من بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على حسب وقائع تاريخية! ولكن هل هذه سِمَةٌ عامة في المذهب الأباضي، ما الذي يخفيه أبو عمر الباحث عن أتباعه؟! أم هناك من يترضى على جميع الصحابة بلا استثناء]

فأقول وبالله التوفيق:

أَوَّلًا:

أشكره لأنه أكَّد مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ نَقْلِي من كُتُبِ الأباضية صحيح، وأني لم أفترِ على علماء الأباضية في نَقْلٍ واحدٍ مما نقلته عنهم من كُتُبِهِم المعتمدةِ عند الأباضية، والتي يرفض الأباضيةُ المعاصرون اليومَ تخطئةَ ما فيها من تَكْفِيرٍ وتشنيعٍ وبراءةٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم!!

ثَانِيًا:

سواء كان طعون أئمة الأباضية في الصحابة بحسب وقائع تاريخية أو غير ذلك، فالمهم أنهم طعنوا فيهم وتبرؤوا منهم وَكَفَّرُوهُم وحَكَمُوا عليهم بالخلود في النَّارِ، فهل يستطيع أَبَاضِيَّةُ اليومِ أن يتبرؤوا من أقوالِ علمائهم السابقين كما تَبَرَّأَ علماؤهم من الصحابة رضي الله عنهم؟!

ثالثًا:

نعم، البراءة من الصحابة – وعلى رأسهم الأربعة المبشرون بالجنة- والطعن فيهم والحكم عليهم بالخلود في النار سمة عامة لمذهب الأباضية، وسنثبت ذلك وسنفند ما ستقول بمشيئة الله.

ويكفيك أن شيخكم ومفتيكم أحمد الخليلي قال إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْكُدَمِيَّ استحق لَقَبَ “إِمَامِ العلماء” بلا مُنَازِعٍ بسبب كتاب الاستقامة، وهذا الكتاب يقول فيه أبو سعيد الْكُدَمِيُّ:

[ وقد أظهرت الحُجَّة عليَّ بن أبي طالب بالنكير بمفارقتهم له، واعتزالهم عنه، ومحاربتهم له، إذ أراد حربهم على ذلك، وبالواحدة من ذلك تقوم عليه الحُجَّةُ، وَلَوْ كَانَ مُحِقًّا وَاحْتُمِلَ حَقُّهُ وَبَاطِلُهُ، فَإِنْكَارُ الحُجَّةِ عَلَيهِ مُزِيلٌ لِعُذْرِهِ، مُوجِبٌ لِضَلَالِهِ وَكُفْرِهِ].(1)

 ألا يكفيك أن هذا القول هو قولُ إمامِ المذهب عندكم شخصيًّا؟!

بل سأنقل لك عقيدة إمامكم محمد بن روح بن عربي الحقيقية من كتبكم المعتمدة، ففي كتاب بيان الشرع لإمام الأباضية محمد بن إبراهيم الكندي يقول:

[ودائنون لله بدين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ودين أهل الاستقامة من أمته، منهم أبو بكر الصديق، وأبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ودين معاذ بن جبل، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري رحمهم الله، ودين عبد الله بن وهب الراسبي إمام أهل النهروان. والمِرْدَاسِ بن حدير الإمام، وعبد الله بن يحي طالب الحق الإمام، رحمهم الله .. ودين محمد بن الحسن، ومحمد بن روح بن عربي، وأبو سعيد محمد بن سعيد من علماء المسلمين، والأئمة في الدين].(2)

وهذا واضح وصريح بأن الكندي يَدِينُ لله – حسب – زعمه بدين محمد بن روح المذكور!

وإذا ما بحثنا في كتاب الكندي وجدناه يقول:

[وَبَرِئْنَا بَعْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أَهْلِ القِبْلَةِ الذين هُمْ مِنْ أَهْلِ القبلة: عثمان بن عفان وعليِّ بن أبي طالب وطلحة والزبير ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري وجميع من رضي بحكومة الحكمين، وترك حكم الله إلى حكومة عبد الملك بن مروان وعبيد الله بن زياد والحجاج بن يوسف وأبي جعفر والمهدي وهارون وعبد الله بن هارون وأتباعهم وأشياعهم ومَنْ تَوَلَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَجَوْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَأَصْحَابِ الهَوَى.

قال أبو عبد الله محمد بن محبوب: نوافقهم على هذا والبراءة ممن سَمَّـاه.

قال أبو سعيد محمد بن سعيد: نوافقهم على البراءة ممن سَمَّى عَلَى الشَّرِيطَةِ بما سَمَّـاهم من الكفر].(3)

وهذا يعني أن دين محمد بن روح وعقيدته هما نفس دين محمد بن إبراهيم الكندي وعقيدته.

يعني بحسب هذا الكلام فمحمد بن رَوْحٍ أيضًا يتبرَّأ من عثمان وعلي بن أبي طالب وطلحة والزبير ومن جميع الصحابة المذكورين أعلاه!!

وهاك دليلًا آخر يؤكد أن البراءة من الصحابة المذكورين هو السمة العامة في دين الأباضية:

فيقول السالمي في “جوهر النظام” :

ولم يكن كتابُ الاستقامة  **  يجمع دِينَنَا وَلَا أَحْكَامَه

لِأَنَّمَا صَنَّفَهُ الْـمُصَنِّفُ  ** لِرَدِّ بِدْعَةٍ هُنَاكَ تُعْرَفُ

بِالَغَ فِي إِنْكَارِهَا وَأَطْنَبَا  **  مُسْتَطْرِدًا فِي الْعِلْمِ حَيْثُ انْقَلَبَا

فَعَدَّ مَا يَخَصُّ تِلْكَ الْـمَسْأَلَة  **  قَوَاعِدَا لَمْ تُبْقِ قَطُّ مُشْكِلَة

فَحَصَلَ الْـمَطْلُوبُ مِنْهُ فَاسْتَحَقَّا  **  حُسْنَ الثَّنَا بِمَا بِهِ فِيهَا نَطَقَا.(4)

يعني بحسب قولِ شَيخِهِم السالمي لم تبق لديهم مشكلة – أي في مسائل الولاية والبراءة – بعد كتاب الاستقامة لأبي سعيد الْكُدَمِيِّ، بل حَصَلَ المطلوب بهذا الكتاب في هذه المسائل!

فهل هذا يعني الاتفاق الْعَام بين علمائكم على ما جاء في هذا الكتاب أَمْ لا؟!

ثم يقول الْأَبَاضِيُّ:

[أقوال الأباضية في عدالة الصحابة:

1.     الصحابة كلهم عدول، وروايتهم مقبولة إلا في الأحاديث المتعلقة بالفتن ممن خاض فيها.

2.     الصحابة غيرهم من الناس، فمن اشتهر بالعدالة فهو كذلك، ومن لا يعرف حاله بُحِثَ عنه.

وهذا القول أيضًا يذكره علماء الشيعة.

3.     أهل السنة يقولون: الصحابة كلهم عدول حتى الذين وقعوا في الفتنة، لكن هل هذا القول يقول به كُلُّ أَهْلِ السُّنِّةِ والجماعة؟!].

ثم نقل الأباضي عن ابن عثيمين في شرحه لمختصر التحرير قوله:

[وقوله: “وَالصَّحَابَةُ عُدُولٌ، وَالمُرَادُ: مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِقَدْحٍ”؛ يعني: المراد من قوله: إنَّ الصحابة عدول مَن لم يُعرَف بقَدْح، فأمَّا مَن عُرِفَ بقدْح فإنَّه ليس بعَدْل حسَب القدح الذي فيه].

وهذا الكلام يعيدنا لنقطة سابقة ويضطرني أَنْ أَسْأَلَ الأباضيَّ مرة أخرى: هل تعتقد أَنَّ عثمان وعليًّا وطلحة والزبير، بل ومعاوية وعمر بن العاص مَقْدُوحٌ فيهم وليسوا عُدُولًا؟!

فإن كنت تقول إنهم ليسوا عدولًا ، وكلام ابن عثيمين ينطبق عليهم فأخبرنا بذلك، لِأَنَّ هَذَا يعني أنك تطعن في أفاضِلِ الصحابة كإمامك أبي سعيد الكدمي ومحمد بن إبراهيم الكندي وأبي يعقوب الوارجلاني وأطفيش وغيرهم. وإنْ كُنْتَ لا ترى كلامَ ابن عثيمين ينطبق على من ذَكَرْتُهُم لك ؛ فما مناسبةُ ذِكْرِكَ لكلام ابن عثيمين في الكلام عن عَدَالَةِ الصحابة؟!

هل تريد أَنْ تقول إِنَّ هؤلاءِ ليسوا عُدُولًا أم لا ؟! هل عثمان وعلي وطلحة والزبير عُرِفُوا بِقَدْحٍ يُسْقِطَ عَدالتهم عِنْدَك؟!! فكلامُ ابنِ عثيمين في وَادٍ وأنت كالعادة في وَادٍ آخر تمامًا!!

فأيًّا كان معنى كلامِ ابنِ عثيمين فهو لا يقصد به مُطْلَقًا وَاحِدًا من العَشَرَةِ الـمُبَشَّرِين بالجنة أو معاوية أو عمر بن العاص رضي الله عنهم جميعًا.

ويبدو من كلام الأباضي أنه بالفعل لا يفرِّق بين الْعَدَالَةِ وَالْعِصْمَة!!

فالعصمة من الأخطاء والذنوب لا نقول بها لِأَحَدٍ بعد وفاة النبي صلوات الله وسلامه عليه!

وأما الْعَدَالَةِ فَثَابِتَةٌ لهم بتعديل الله عَزَّ وَجَلَّ وتعديل النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهم.

قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ:

 [والمراد بالْعَدْلِ: مَنْ لهُ مَلَكَةٌ تَحْمِلُه على مُلازَمة التَّقْوَى والمُروءَةِ. والمُرادُ بالتَّقوى: اجْتِنابُ الأعمالِ السَّيِّئةِ مِن شِرْكٍ أَوْ فِسْقٍ أو بِدْعَةٍ].(5)

وأنا لستُ أَدْرِي لماذا حَشَرَ الأباضيُّ قولَ أَهْلِ السُّنِّةِ والجماعة مع أقوال الأباضية، مع أنه قال في بداية كلامه عن هذه النقطة إنه سيذكر أقوال الأباضية في عدالة الصحابة!!

واستدل الْأَبَاضِيُّ بقول ابن عثيمين:

[لكن الواحد منهم قد يفعل شيئًا من الكبائر؛ كما حصل من مِسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش في قصة الإفك].

ونعيد السؤال للأباضي مَرَّةً أخرى: هل تعتقد أن عثمان وعليا وطلحة والزبير فعلوا الكبائر؟!

فإن قلتَ نعم ؛ فقدْ طعنتَ فيهم ونَسَبْتَ إليهم ما لم يفعلوه، وإنْ قُلْتَ لا ؛ فما وجه استدلالك بكلام ابن عثيمين هاهنا أَصْلًا؟!

وحتى نقلك عن ابن عثيمين كان مقطوعًا من سياقه، لأنه كان يشرح قول ابن تيمية عن العقيدة الإسلامية الصحيحة في الصحابة فقال: [وَهُمْ مع ذلك لا يعتقدون أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإثم وصغائره].

فقال ابن عُثَيْمِينَ:

[لا يعتقدون ذلك؛ لقوله صَلَّى الله عليه وعلى آله وسلم: “كل بني آدم خَطَّاءٌ، وخيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ”، ولكن الْعِصْمَة في إِجْمَاعِهِم؛ فلا يمكن أن يجمعوا على شيءٍ من كَبَائِرِ الذنوب وصغائرها فيستحلوها أو يفعلوها.

لكن الواحد منهم قد يفعل شيئًا من الكبائر؛ كما حصل من مِسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش في قصة الإفك، ولكن هذا الذي حصل تطهروا منه بإقامة الحد عليهم].

إذًا فابنُ عثيمين رحمه الله هنا يتحدث عن ارتكاب الذنوب وأَنَّ الصحابة غيرُ معصومين منه، وأنت تتحدث عن الْعَدَالَةِ، فما عَلَاقَةُ الحديثِ عن الْعِصْمَةِ من الذنوب وعدمها بحديثك عن العدالة ؟! هذا يؤكد مرة ثالثة أنك لا تفرَّق بين العصمة والعدالة، ومما يؤسف له حَقًّا أن يتكلم المرء في مسألة لا يعرف عنها شيئًا!!

ثم قال الأباضيُّ:

[ وأنا لا أريد أن أذكر من علماء الأباضية من لا يريد أن يخوض في الفتن أَصْلًا، وإنما أريد أن أذكر الجانب الآخر لعلماء الأباضية، الجانب المعاكس الذي لم يذكره أبو عمر الباحث من أئمة الأباضية الذين يترضون عن الصحابة بلا استثناء، أذكر بعض الأمثلة هنا بشكل مختصر وسريع: في كتاب السير والجوابات لعلماء وأئمة عمان ما نصه: وفي سيرة محمد بن روح: وليس في ديننا إنكار على من تولى علي بن أبي طالب إلا على الشريطة، والولاية لعلي بن أبي طالب وشهرة فضله لا يخطئ من تولاه على شهرة فضله ج1 ص370].

فهل هذا الكلام ينفع الأباضية في هذه المسألة؟!

ابن روح يقول: [وليس في ديننا إنكار على من تولى علي بن أبي طالب إلا على الشريطة].

أَوَّلًا: قد عرفنا عقيدة محمد بن رَوْحٍ من خلال ما نقله شيخُ الأباضية الكندي سَابِقًا عنه.

ثانيًا: ما هي هذه الشريطة المذكورة؟! أليس معناها أَنَّ هذا الاستثناءَ مُنْقَطِعٌ بقوله: [إِلَّا على الشريطة]؟! فما المقصود بها بالتحديد؟!

ثالثًا: من الذي قال إنه ليس في دينكم إنكارٌ على مَنْ يتولى عليَّ بن أبي طالب؟! أنا لَنْ أَرُدَّ بنفسي على محمد بن روح، بل سأترك الرَّدَّ عليه لأبي سَعِيدٍ الْكُدَمِيِّ شَخْصِيًّا، فيقول:

[ولو نشأ نَاشِئٌ في العِرَاق أو في غَيره من الأمصار ، فتظاهرت منه الأخبار من جميع أهل المِصْر أَنَّ عَلِيًّا بن أبي طالب قتلَ أهلَ النهروان على الحق ، وأنهم مبطلون في محاربته وفي اعتزاله ، ولم تَبْلُغْهُ الأخبارُ في أَصْلِ ما يحاربوا عليه، ولا على أصل ما اعتزلوا عنه فيه، إلا أنه شُهِر هذا في جميع أهل المصر ، وَأَنَّ عَلِيًّا هو الـمُحِقُّ في قتل أهل النهروان وهم المبطلون ، فَقَبِلَ هذه الشهادة وَبَرِئَ مِنْ أَهْلَ النهروان على هذه الشُّهْرَةِ ، كان عِنْدَنَا بذلك قَابِلًا لما لا يجوز له قبوله ، وَهَالِكًا بِذَلِكَ ، ولو لم يَعْلَمْ غَيْرَ ذلك، وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ له].(6)

الله أكبر، شيخهم الكدمي لا يعذر من يتولَّى علي بن أبي طالب وإن كان جاهلًا، فبما بالك إذا كان هذا الشخص يتولى علي بن أبي طالب وهو يعلم أنه قتل أهل النهروان على الحق ويؤمن بذلك؟!! وهذ الكلام يدل على أن محمد بن روح – بحسب ما رأيت – لم يكن عَارِفًا بِأَحْكَام الولاية والبراءة عند الأباضية أَصْلًا!!

لأنه في نفس الصَّفْحَة يعذر مَنْ يَتَبَرَّأُ من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا ولا ينكر عليه براءة من عمر رضي الله عنه، فيقول: [وكذلك ليس لنا إنكار على من برئ من عمر بن الخطاب إلا على الشريطة أنه كانت سريرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه موافقة لعلانيته].(7)

رابِعًا: بقية الكلام الذي لم ينقله الأباضي أبو الأيهم يقول فيه ابنُ روح:

[فمن تولى علي بن أبي طالب لم يحل لنا أن نخطئه ولا نترك ولايته، بل يجب علينا أن نتولاه].

وهذا الكلام يعني أن محمد بن روح لم يقل إنه يتولى علي بن أبي طالب أو أنه لا يتبرأ منه، بل غاية ما فيه أنه لا ينكر على من يتولى عليًّا رضي الله عنه!!

خامِسًا: أين ذِكْرُ بَقِيَّةِ الصحابة رضي الله عنهم في كلام ابن روح ؟!

ابن روح لم يتكلَّمْ عن بقية المبشرين بالجنة كعثمان وطلحة والزبير، أو عن غيرهم كمعاوية وعمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري ، وأتى بِنَصٍّ يتيمٍ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقط، وحتى هذا النص مليء بالإشكالات، ولم يفهمه أبو الأيهم على وَجْهِهِ الصحيح كما بَيَّنَّا!!

ثم استدل الأباضي بكلام للشيخ الأباضي إبراهيم بن عمر بيوض رحمه الله يقول فيه:

[أمَّا الكلمة الجامعةُ في حقِّهم، فهي الرضَى عنهم جميعاً، والاستغفارُ لهم، كما أمرنا اللهُ تعالى؛ والوقوفُ فيماَ شجرَ بينهم. هذه هيَ الخلاصةُ، وهذا ما أعتقده، وأدين لله تعالى بهِ].

قلت: رحمة الله على هذا الرجل النبيل، لأنه وَجَدَ الجرأة والشجاعة لمخالفة ضلالات مَنْ سَبَقُوهُ من علماء الأباضية، فلم تُدَنِّسْهُ أَفْكُارُهُم ولم تُشَوِّهْهُ انْحِرَافَاتُهُم، فالحمد لله الذي نجَّاه من الزيغ!

لكن هل كلام الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض هو المعتمد عند الأباضية المعاصرين؟!

إذا كان كلام الشيخ بيوض رحمه الله مُعْتَمَدًا عندكم فلماذا شَنَّ الخليليُّ الحربَ في كِتَاب الاستبداد على المغيرة بن شعبة ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؟!

مع أن قوله: [فأنا أرضى عن جميع الصحابة أجمعين] دَالٌّ على أَنَّ هذا مَوقِفٌ شَخْصِيٌّ منه!!

فسأفترض أَنَّ بَعْضَ علمائكم يَتَرَضَّى عن الصحابة كالشيخ بيوض: فما هو مذهبكم أنتم أيها المعاصرون؟! إنْ كنتم تعتقدون أَنَّ رَأْيَ مَنْ يترضَّى على الصحابة هو الصواب المعتمد عندكم في الوقت الحالي، فلماذا لا تحكمون بتخطئة أصحابِ القولِ الآخر؟! هل يصعب عليكم هذا؟!

ثم قال الأباضي:

 [رسالة “المسلك المحمود في معرفة الردود” للشيخ التعاريتي يقول: إن اعتقادنا في الصحابة رضي الله عنهم أنهم عدول أتقياء بررة أصفياء].

قُلْتُ: ولم أجد هذا الكتاب، ولكني وجدتُ مَنْ ينقل عنه، ولكن لي على هذا النقل عِدَّةُ تنبيهات:

الأول: يبدو لي أَنَّ مؤلف هذا الكتاب ليس على اطِّلَاعٍ كَافٍ على كتب الأباضية، فلقد نقل عنه الشيخ الأباضي علي يحيى معمر في كتاب الأباضية في موكب التاريخ هذا النص، فقال:

[والعجب كلُّ العجب مِمَّا نسبه ــ ابن كامل مصطفى ــ إلينا تجاهلاً وظلمًا، وتسلطًا وشتمًا، حتَّى أطال سنان لسانه، وقال: كفَّروا عليا ــ بزوره وبهتانه، مع أنَّ اعتقادنا في الصحابة رضي الله عنه الله عنهم أنَّهم عدول أتقياء، بررة أصفياء، قد اختارهم الله من بين الأنام، لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام].(8)

فهنا يرد سعيد بن علي التعاريتي على “مصطفى بن كامل” الذي قال إِنَّ الأباضية بأنهم كَفَّرُوا عَلِيًّا رضي الله عنه، فرد عليه التعاريتي بِأَنَّ كَلَامَه هذا زُورٌ وَبُهْتَانٌ وَجَهْلٌ وَظُلْمٌ وَتَسَلُّطٌ وَشَتْمٌ للأباضية!! فهل مصطفى بن كامل مخطئ في كلامه هذا أَمْ أَنَّ التعاريتي هو الذي لا يعرف مذهب الأباضية ولا يعرف القولَ المعتمدَ لديهم في عليِّ بن أبي طالب عليه السلامُ والرضوانُ؟!

وهل يكفى قول أبي سعيد الكدمي إمامِ المذهب بلا منازع كما يسمونه عن طالب علم فضلًا عن عَالِمٍ أَبَاضِيٍّ مُتَمَرِّسٍ كالتعاريتي؟! ومما يدل على أن التعاريتي لا يعرف مذهبه جيدًا أن الأباضي علي يحيى معمر نقل عنه قوله: [وكيف يجوز لمن يؤمن بالحيِّ الذي لا ينام، أَنْ يُكَفِّرَ صِهْرَ نِبِيِّهِ عليه السلام، الذي لم يسجدْ قط للأصنام].

فهذا واضح أن التعاريتي لم يَطَّلِعْ على كلام إمامه الذي يسميه الخليل بـ “إمام العلماء لا منازع”!

وإذا كان التعاريتي لم يتلوث قلبه بعقيدة الأباضية فأنا أترحم عليه من قلبي وأقول: رحمه الله.

الثاني: لماذا لا يخرج حتى الآن بيانٌ رَسْمِيٌّ من مفتيكم الخليلي أو من نائبه كهلان الخروصي بأن الأباضية المعاصرين يتبرؤون من أقوال أبي سعيد الكدمي ومحمد بن إبراهيم الكندي وأبي يعقوب الوارجلاني والسيابي وغيرهم؟!

الثالث: هل يعتقد أباضية اليوم المعاصرون بما قاله التعاريتي حَقًّا عن الصحابة رضي الله عنهم؟! فماذا نُسَمِّي فعل شيخكم الخليلي الذي حاول تشويه سيرة معاوية رضي الله عنه بشتى الطرق غير المشروعة؟!

ثم قال الأباضي:

[كتاب “النقد الجليل للعتب الجميل” ص45 للعلامة أبي إسحاق إبراهيم أطفيش ما يلي:

«وأما ما زعمت من شتم أهل الاستقامة لأبي الحسن علي وأبنائه فمحض اختلاق، وقد سبق لك أن الشتم ليس بعبادة]. وسأعرض للقارئ الكريم صورة من الكتاب ثم أُعَلِّقُ عليها:

ص54  للفيس

فالآن وبعد قراءتك أخي القارئ الكريم لما قاله إبراهيم أطفيِّش هل تراه متوافقًا مع ما قاله الأباضي أبو الأيهم؟! هل قال إن شتم الأباضية لعلي بن أبي طالب وابنيه “محض اختلاف” أم “محض اختلاق“، بل صَرَّحَ بعدها أطفيش أَنَّ الشَّتْمَ وقع من علماء الأباضية وموجود بالفعل، ولكنه وصف الفاعلين بالعلماء الْغُلَاة!! فهل علماء الأباضية الذين شتموا علي بن أبي طالب كانوا غلاة بالفعل؟! أم أنهم العلماء المعتمدون عند الأباضية بشهادة مفتي الأباضية الخليلي؟!

سأنقل ما كتبه مفتي الأباضية أحمد الخليلي في مقدمة كتاب المعتبر لأبي سعيد الكدمي ليعرف الجميع حقيقة الأمر! يقول الخليلي:

[وأبو سعيد مؤلف هذا الكتاب معدود في أجلة علماء المذهب الأباضي بعمان، حتى أنه لُقِّبَ بإمام المذهب، وذلك يعود إلى ما قام به من رتق الفتق ولم الشعث في عمان، بعد أن وقع بين العلماء الشقاق والنزاع على أثر الفتنة العمياء .. حتی انبرى الإمام أبو سعيد فجلى الموضوع أَتَمَّ تجلیة، وشرحه أوسع شرح في كتاب خصصه لذلك، وهو كتاب الاستقامة الذي شرح فيه أحكام الولاية والبراءة، وفصَّل ما أجمله مَنْ قبله من العلماء، فأزاح ستار اللبس عن الحقيقة، فكان جديرًا بأن يكون لمن بعده إمامًا، ولذلك تجد جُلَّ المؤلفين في باب الولاية والبراءة من علماء عمان يَنهلون من معينه، ويستندون إلى تأصيلاته].!

وقالوا في مقدمة كتاب الاستقامة:

[فهو كما قال العلامة الخليلي بحق أصبح أبو سعيد بهذا الكتاب الجامع لأحكام الولاية والبراءة ، وكتاب الاستقامة ، إمام العلماء بلا منازع، فإذا قيل: الإمام في مجال العلم فهو أبو سعيد].

فهل أبو سعيد الكدمي من الغلاة بالفعل، ولذلك استدل بقول من يصفه بأنه من الغلاة؟! أم هل يوافق الأباضي أبو الأيهم شيخه الخليلي ويرى أَنَّ أبا سَعِيدٍ الكدميَّ إمام العلماء بلا منازع،

 فيبطل استدلاله بكلام إبراهيم أطفيش أَصْلًا؟! سأسألك سُؤَالًا واضحًا وصريحًا، أبا الأيهم:

هل تعتقد بقول أبي سعيد وهو من الغلاة بحسب قول العلامة أطفيش؟! أم تسير خلف الخليلي وتعتقد أن الكدمي هو إمام العلماء بلا منازع ويبطل استدلالُك بكلام أطفيّش؟!

ثم قال الأباضي:

[كتاب “الإرشاد في شرح مهمات الاعتقاد” لسيف بن ناصر الخروصي يقول: وهم أي الصحابة- المعصومون من حيث الجملة عن الزلل في الدين، فلا يجتمعون على ضلالة].

ولست أدري ما علاقة هذا الاقتباس بموضوعنا أصلًا!!

فالرجل يتحدث عن أن اجتماع كلمة الصحابة على مسألة ما ؛ معناه عصمة هذا الإجماع من الزلل، فأين الحديثُ عن مكانتهم.

هل تعتقد أنه إذا وقع الخلاف بين الصحابة وبين أهل النهروان وخصوصًا مَنْ تعتبرونهم من الصحابة- سيكون مكانك مع الصحابة أم مع أهل النهروان؟! إجابتك عن هذا السؤال وحدها تكفي لِبَيَانِ وهاء استدلالك بهذا النَّصِّ، فغاية ما فيه أن اجتماع الصحابة جميعًا على أمر ما لا يلحقه زلل، ولكن إذا وُضِعَ الأباضيُّ على الـمَحَكِّ وطلب منه المفاصلة بين الصحابة وبين أهل النهروان فسيقف فورًا خلف أهل النهروان!! ومعركة النهروان ليست منا ببعيد، ونستطيع أن نضرب بها المثال في هذا المقام؛ إِذْ لا يوجد أَبَاضِيٌّ واحد – حسب علمي – يحكم بصواب علي بن أبي طالب ومن معه من الصحابة، وتخطئة الخوارج في معركة النهروان المجيدة!

ثم قال الأباضي:

[ وودنا لو أَفْرَدْنَا بَابًا خَاصًّا لهؤلاء، يعني هناك مصادر كثيرة جدا للأباضية يترضون عن جميع الصحابة على الإطلاق وبلا استثناء، فإذا لا أدري لماذا يخفي أبو عمر الباحث هذه القضية عن أصحابه ويحاول أن يأتي فقط بأولئك الذين تبرؤوا على خلفيات تاريخية كما ذكرنا سابقًا].

أولا: هل تعتقد حقًا أني أخفيتُ هذه الاقتباسات عن الناس لأني أريد التلبيس عليهم؟!

أم لم أذكرها لأنها في حقيقة الأمر كلامٌ غيرُ مُعْتَمَد حتى عند شيخكم ومفتيكم الخليلي نفسه؟!

ألم يقل شيخكم الخليلي في مقدمة كتاب الاستقامة للكدمي:

[فهو كما قال العلامة الخليلي بحق أصبح أبو سعيد بهذا الكتاب الجامع لأحكام الولاية والبراءة ، وكتاب الاستقامة ، إمام العلماء بلا منازع، فإذا قيل: الإمام في مجال العلم فهو أبو سعيد].

فأنا ذكرتُ القولَ المعْتَمَدَ في دين الأباضية من العالم المعْتَمَدَ قوله في أحكام الولاية والبراءة، فأين الخطأ في كلامي بالضبط؟! خصوصًا مع اعترافك أن كل نقولاتي واقتباساتي من كتبكم كانت صحيحة وسليمة؟!

تخيل أن أبا سعيد الكُدَمِيَّ صار عند الأباضية بشهادة الخليلي إمامًا لعلماء الأباضية بلا منازع بهذا الكتاب الذي يُكَفِّرُ فيه الصحابةَ ويتبرَّأُ منهم ويحكم عليهم بالخلود في النار، والْعِياذُ بالله!!

يا قوم، ألستم تعتقدون أَنَّ معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة من الصحابة بحسب النقولات والاقتباسات السابقة؟! فلماذا طَعَنَ شيخُك الخليلي في هؤلاء؟! سبحان الله!!

ثانِيًا: بَقِيَ السؤالُ الذي لا يجيب عنه الأباضية بلا جواب: إذا كنتم تعتقدون أن طعنَ أبي سعيد

الكدمي والكندي والوارجلاني والسيابي وغيرهم من علماء الأباضية في الصحابة غير صحيح ؛ فلماذا لا يخرج بيانٌ رَسْمِيٌّ بذلك وتنتهي المشكلة؟! ألا ترى أن عدمَ حكم ببطلان هذه الأقوال وتخطئة أصحابها يدل على أن هذه الأقوال سَيُحْتَاجُ إِلَيْهَا فيما بعد لِتَكُونَ هي الدينَ المعتمدَ عند الأباضية مرة أخرى؟! والله عَزَّ وَجَلَّ هو حسبنا وهو نعم الوكيل!!

ثالثًا: اعتذارك لعلمائك عن طعونهم على اعتبار أن براءتهم من الصحابة كانت على خلفيات تاريخية لن يَفِيدُك ولن يفيدهم أَيْضًا، هل تريد أن تقول إِنَّ البراءة من الصحابة وسَبَّهُم وتكفيرَهم والحُكْمَ عليهم بالخلود بالنار جائز بشرط أن يكون ذلك على خلفيات تاريخية؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: [لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ].(9)

رابعًا: سواء أفردتَ بَابًا أو كُتُبًا أنت وغيرك لنقل كلامِ بعضِ علمائكم لقَوْلٍ غيرِ معتمد في دين الأباضية سيكون غير مفيد نهائيا في نفس الوقت الذي تطبعون فيه الكتب التي تسيء للصحابة وتكفرهم وتحكم عليهم بالخلود بالنار دون أن تحكموا على هذه الأقوال بالبطلان وعلى أصحابها بالخطأ والغلط ومخالفة الدين والحق.

**************

وبهذا ينتهي الجزء الثالث  من الرَّدِّ على الأباضي أبي الأيهم هدانا الله وإيَّاه إلى الحق، ويليه الجزء الرابع بحول الله وقوته.

والحمد لله رب العالمين  ،،،،

—-

فإلى دَيَّان يوم الدين نمضي   **   وعند الله تجتمع الخصوم

 

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

صباح الجمعة يوم 13 من شوال لعام 1439 هجريا

الموافق 27 يونيه لعام 1018 ميلاديا

(1) كتاب الاستقامة ج1 ص119، ط وزارة التراث القومي والثقافة – سلطنة عُمان.

(2) بيان الشرع لمحمد الكندي ج3 ص382 – 383، ط وزارة التراث القومي والثقافة – سلطنة عُمان.

(3) كتاب الاستقامة ج1 ص119، ط وزارة التراث القومي والثقافة – سلطنة عُمان.

(4) مقدمة كتاب الاستقامة ج1 ص119، ط وزارة التراث القومي والثقافة – سلطنة عُمان.

(5) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ص205، ط مكتبة سفير – الرياض.

(6) مقدمة كتاب الاستقامة ج1 ص118، ط وزارة التراث القومي والثقافة – سلطنة عُمان.

(7) السير والجوابات ج1 ص370، ط وزارة التراث القومي والثقافة – سلطنة عُمان.

(8) الأباضية بين الفرق الإسلامية علي يحيى معمَّر ص255، ط مكتبة الضامري – السيب – سلطنة عُمان.

(9) رواه البخاري برقم 3673 ، ورواه مسلم برقم 221 – (2540).

اترك ردّاً